الأربعاء، 30 ديسمبر 2015

ولادتة لم تكن صدفة

لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي..

ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدىالاستراحات ..

كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ .. بل بالغيبة والتعليقات الغيرلائقة..
كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم .. وغيبة الناس .. وهم يضحكون
..

أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً..
كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد ..
بإمكاني تغيير نبرة صوتي
حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه ..
أجل كنت أسخر من هذا وذاك .. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي ..
صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني ..
أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق.. والأدهىأنّي
وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول ..
وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق ..
عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة ..
وجدت زوجتي في انتظاري .. كانت في حالة يرثى لها ..
قالت بصوت متهدج : يوسف ... أين كنتَ ؟
قلت ساخراً : في المريخ .. عند أصحابي بالطبع ...
كان الإعياء ظاهراً عليها .. قالت والعبرة تخنقها: يوسف… أنا متعبة جداً ..
الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ...
سقطت دمعة صامته على خدها ..
أحسست أنّي أهملت زوجتي ...
كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي .. خاصة أنّها في شهرها التاسع
..
حملتها إلى المستشفى بسرعة ..
دخلت غرفة الولادة .. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال ..
كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر .. تعسرت ولادتها .. فانتظرت طويلاً حتى
تعبت .. فذهبت إلى البيت ..
وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني ..
بعد ساعة .. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم نادر الاسم الذي اخترته لابني
ذهبت إلى المستشفى فوراً ..
أول ما رأوني أسأل عن غرفتها ..
طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي ..
صرختُ بهم : أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني نادر..
قالوا .. أولاً .. راجع الطبيبة ..
دخلت على الطبيبة .. كلمتني عن المصائب .. والرضى بارادة الله ..
ثم قالت : ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!
خفضت رأسي ... وأنا أدافع دموعي .. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى
الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس ..
بقيت واجماً قليلاً .. لا أدري ماذا أقول .. ثم تذكرت زوجتي وولدي ..
فشكرت الطبيبة على لطفها .. ومضيت لأرى زوجتي ..
لم تحزن زوجتي ... كانت مؤمنة بارادة الله.. راضية .. طالما نصحتني أن
أكف عن الاستهزاء بالناس ..
كانت تردد دائماً .. لا تغتب الناس ..
خرجنا من المستشفى .. وخرج نادر معنا ..
في الحقيقة .. لم أكن أهتم به كثيراً..
اعتبرته غير موجود في المنزل ..
حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها ..
كانت زوجتي تهتم به كثيراً .. وتحبّه كثيراً ..
أما أنا فلم أكن أكرهه .. لكني لم أستطع أن أحبّه !
كبر نادر ... بدأ يحبو .. كانت حبوته غريبة ...
قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي .. فاكتشفنا أنّه أعرج ..
أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر ..
أنجبت زوجتي بعده فادي و كيرلس..
مرّت السنوات .. وكبر نادر .. وكبر أخواه ..
كنت لا أحب الجلوس في البيت .. دائماً مع أصحابي ...
في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..
لم تيأس زوجتي من إصلاحي...
كانت تدعو لي دائماً بالتوبة .. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة ...
لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لنادر واهتمامي بباقي إخوته ..
كبر نادر.. وكبُر معه همي ..
لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين ..
لم أكن أحس بمرور السنوات ... أيّامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر ..

في يوم أحد ..

استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً..
ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي .. كنت مدعواً إلى وليمة ..
لبست وتعطّرت وهممت بالخروج ..
مررت بصالة المنزل .. استوقفني منظر نادر .. كان يبكي بحرقة !
إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى نادر يبكي منذ كان طفلاً ..
عشر سنوات مضت .. لم ألتفت إليه .. حاولت أن أتجاهله .. فلم أحتمل .. كنت
أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة ..
التفت .. ثم اقتربت منه .. قلت : نادر ! لماذا تبكي ؟!
حين سمع صوتي توقّف عن البكاء .. فلما شعر بقربي ..
بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين .. ما بِه يا ترى؟!
اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني !!
وكأنه يقول : الآن أحسست بي .. أين أنت منذ عشر سنوات ؟!
تبعته .. كان قد دخل غرفته ..
رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه ..
حاولت التلطف معه ...
بدأ نادر يبين سبب بكائه .. وأنا أستمع إليه وأنتفض .. تدري ما السبب !!
تأخّر عليه أخوه فادي .. الذي اعتاد أن يوصله إلى الكنيسة ..
ولأنها صلاة القداس .. خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل ..
نادى فادي ... ونادى والدته .. ولكن لا مجيب .. فبكى .. أخذت أنظر إلى
الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين ..
لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه ..
وضعت يدي على فمه .. وقلت : لذلك بكيت يا نادر !!..
قال : نعم ..
نسيت أصحابي .. ونسيت الوليمة .. وقلت :
نادر لا تحزن .. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى الكنيسة ؟ ..
قال : أكيد فادي .. لكنه يتأخر دائماً ..
قلت : لا .. بل أنا سأذهب بك ..
دهش نادر .. لم يصدّق ... ظنّ أنّي أسخر منه .. استعبر ثم بكى ..
مسحت دموعه بيدي .. وأمسكت يده ..
أردت أن أوصله بالسيّارة .. رفض قائلاً : الكنيسة قريبة ... أريد أن أخطو
إلى الكنيسة.. -
لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها الكنيسة ..
لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف .. والنّدم على ما فرّطته طوال
السنوات الماضية ..
كانت الكنيسة مليئاً بالمصلّين .. إلاّ أنّي وجدت لنادر مكاناً في الصف الأوّل
..
استمعنا للوعظة معاً وصلى بجانبي .. بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..
بعد انتهاء الصلاة طلب منّي نادر انجيل ...
استغربت !! كيف سيقرأ وهو أعمى ؟
كدت أن أتجاهل طلبه .. لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره .. ناولته الانجيل
طلب منّي أن أفتح الانجيل على انجيل متى ..
أخذت أقلب الصفحات تارة ... وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها ..
أخذ مني الانجيل ... ثم وضعه أمامه .. وبدأ في قراءة الاصحاح .. وعيناه مغمضتان ..
إنّه يحفظ الانجيل!!
خجلت من نفسي.. أمسكت انجيلا..
أحسست برعشة في أوصالي.. قرأت .. وقرأت..
دعوت الله أن يغفر لي ويسامحني ..
لم أستطع الاحتمال .. فبدأت أبكي كالأطفال ..
كانت بعض الناس لا تزال جالسة لبعض الوقت .. خجلت منهم ..
فحاولت أن أكتم بكائي .. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ..
لم أشعر إلاّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ...
ثم تمسح عنّي دموعي ..
إنه نادر !! ضممته إلى صدري ..
نظرت إليه .. قلت في نفسي .. لست أنت الأعمى .. بل أنا الأعمى ..
عدنا إلى المنزل .. كانت زوجتي قلقة كثيراً على نادر ..
لكن قلقها تحوّل
إلى دموع حين علمت أنّي ذهبت للكنيسة مع نادر..
من ذلك اليوم لم يفتني قداس..
هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة طيبة كلهم من ابناء الكنيسة..
ذقت طعم الإيمان معهم ..عرفت
منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا ..
أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي ..
اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي ..
الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني نادر ..
من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها ..
شكرت الله كثيراً على نعمته ..

ذات يوم .. قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة ..

تردّدت في الذهاب.. واستشرت زوجتي ..
توقعت أنها سترفض .. لكن حدث العكس !
فرحت كثيراً .. بل شجّعتني ...فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها للخطيئة..
توجهت إلى نادر .. أخبرته أني مسافر ... ضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً
..
تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف ..
كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي
..
اشتقت إليهم كثيراً .. آآآه كم اشتقت إلى نادر !!
تمنّيت سماع صوته .. هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت ..
إمّا أن يكون في المدرسة أو الكنيسة ساعة اتصالي بهم ..
كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه .. كانت تضحك فرحاً ً ..

إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها .. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة .. تغيّر صوتها ..

قلت لها : أبلغي سلامي لنادر.. فقالت : إن شاء الله .. وسكتت ..
أخيراً عدت إلى المنزل .. طرقت الباب ..
تمنّيت أن يفتح لي نادر ..
لكن فوجئت بابني كيرلس الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره ..
حملته بين ذراعي وهو يصرخ : بابا .. يابا ..

لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت ..

أقبلت إليّ زوجتي .. كان وجهها متغيراً .. كأنها تتصنع الفرح ..
تأمّلتها جيداً .. ثم سألتها : ما بكِ؟
قالت : لا شيء ..
فجأة تذكّرت نادر .. فقلت .. أين نادر ؟
خفضت رأسها .. لم تجب .. سقطت دمعات حارة على خديها ..
صرخت بها .. نادر .. أين نادر ...؟
لم أسمع حينها سوى صوت ابني كيرلس.. يقول بلثغته : بابا .. نادل لاح
السما .. عند يسوع..
لم تتحمل زوجتي الموقف ... أجهشت بالبكاء .. كادت أن تسقط على الأرض ..
فخرجت من الغرفة ..
عرفت بعدها أن نادر أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين ..
فأخذته زوجتي إلى المستشفى ..
فاشتدت عليه الحمى .. ولم تفارقه .. حين فارقت روحه جسده

ولاده نادر بهذا الشكل لم تكن صدفه بل كان بهدف عند الله وقد سافر
نادر بعد ما تحقيق هذا الهدف وفرحته بالله في حياته..

((الرب صالح للكل ومراحمه علي كل اعماله))

الجمعة، 25 ديسمبر 2015

هدية العيد


كان مجدى وإحسان طفلين يحضران بانتظام في مدارس التربية الكنسية في أحد الأحياء الراقية بمدينة القاهرة.
وفي يوم أحد التناصير، قال المدرس لأطفال الفصل: سوف يقوم فصلنا بزيارة الفقراء في الحى المجاور لنا يوم سبت النور لتقديم اللحم والكساء و الهدايا إليهم بمناسبة عيد القيامة المجيد، وأمام كل منكم فرصة للاشتراك في هذه الزيارة. فمن يرغب في المساهمة بالكسوة أو النقود لشراء اللحم فليحضر ذلك معه في الأحد القادم، ومن عنده هدايا يرغب في تقديمها للفقراء، فليحضرها كذلك.
وفي اليوم التالى، وجد مجدى وإحسان – أثناء سيرهما بالسوق- وجدا فرصة تنزيل " اوكازيون" في محال كثيرة بسبب الأعياد.
فقال مجدى:" لماذا لا نستفيد من فرصة هذا التنزيل لشراء اللعبة الجميلة التى قررنا أن نشترك بها عند زيارة الفقراء يوم سبت النور كما اتفقا ؟!".
فقالت إحسان: " فكرة حلوة، فلندخل إلى داخل المحل لاختيار اللعبة المناسبة ".
ودخل الاثنان فلمحا في أحد الأركان صندوقاً من الورق المقوى، عليه صورة ملونة لدبة. فقالت إحسان :" ما رأيك يا مجدى في أن نشترى لعبة (الدبة) هذه للفقراء ؟"
فقال مجدى: " فكرة حلوة. خصوصاً وأن الثمن المكتوب عليها هو 15 قرشاً ونحن معنا ريال".
فتقدم الطفلان، وأشارا للبائع إلى الصندوق المرسوم عليه الدبة. ودفعا ثمنها في الكيس. ثم تسلما الصندوق مغلقاً بشريط أحمر جميل. وسارا عائدين إلى البيت، وأمارات السرور ظاهرة على وجهيهما.
وقال مجدى:" ستكون مفاجأة "! وقالت إحسان :" ما أسعد ذلك الطفل الفقير الذى ستكون اللعبة من نصيبه ! أظن أنه سيقضى معها أوقاتاً سعيدة وسيشترك معه إخوته وأخواته إن كان له إخوة وأخوات".
ولما عاد إلى المنزل، أراد الطفلان الطيبان أن يعرفا رأى أمهما في الهدية التى اشترياها. فقصا الشريط الاحمر، وفتحا الصندوق. فوجدا مفاجأة ! إن الصندوق لم تكن بداخلة الدمية الدبة ! إنه كان يحتوى على جملة أطارات(براويز) من المعدن اللامع. مشكلة بهيئة الدبة.
فاستغرب مجدى وإحسان ذلك، وراحا يسألان أمهما، " ما هذه الإطارات المعدنية ؟ لقد كنا نحسب أن بداخل الصندوق لعبة دمية الدبة فلم نجد غير هذا ".
فقالت الأم:" ألا تعرفان هذه الإطارات؟ إنها تستعمل في صنع الكعك. أننا نضغط بها العجينة المفرودة الطرية. فيطلع كعك له شكل الدبة الصغيرة "
فقالت إحسان " ياخسارة! لقد كنا نود تقديم الدمية هدية للفقراء. لكن لا أظن هذه الإطارات تصلح لتقديمها هدية.
ماذا يعمل بها الطفل الفقير؟! هل يمكننا أن نعيدها إلى المحل التجارى لنشترى بدلا منها هدية مناسبة "؟!
فقالت الأم :" لا! لا يصح إرجاع البضاعة المشتراة. أنا عندى فكرة لاستخدام هذه الإطارات في تهيئة هدية الفقراء في عيد القيامة المجيد. ما رأيكما في أن نعمل عجينة كعك، ونستعمل هذه الإطارات في صنع كعك لتوزيعه يوم سبت النور على الفقراء؟!
أظنها فكرة طيبة تعطينى فرصة الاشتراك معكما في هذه البركة ".
فقال الطفلان:" نعم يا ماما ! إنها فكرة حلوة ".
وبدأ التنفيذ، وعملت الأم العجينة، واشترك معها مجدى وإحسان في عمل الكعك، ثم انضجوا الكعك في الفرن.
ولما تم نضجه ظهر السرور على وجه كل من الطفلين. ثم حفظوه مرتبا في صندوق كبير من الورق السميك.
وفي اليوم المحدد قدم الطفلان ذلك الصندوق إلى مدرس التربية الكنسية. فوزعه على الفقراء، الذين فرحوا به فرحا شديداً. ودعوا الله أن يبارك في كل الذين اشتركوا في صنعه وفي تقديمه.

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

قصّة حقيقيّة ـ الحياة هبة من الله


ـــــــــــــــــ
زارت عيادتي سيّدة حامل بالشّهر الثّاني ، وكانت مصابة '' بجدري الماء '' (Chicken pox ) .. وقد أجمع الأطبّاء على إسقاط الجنين ، لأنّ التّشوهات النّاجمة عن المرض شديدة وغير قابلة للإصلاح ، وقد كانت زيارتها لي كآخر طبيب تستشيره قبل عمليّة الإجهاض .
دار حديث بيننا ، عن أنّ كلّ طفل هو هديّة من الله . فهل نرفضه حتّى لو كان مخالف لتوقّعاتنا ؟
حيث أن الله يتمجّد في خليقته وكلٌّ منّا له دوره في بناء العالم مهما صغر شأنه .
لقد شعرتُ بمسؤليّة تجاه حياة هذا الجنين ، كوني أشاهد أوّل نسمة حياة تتدفّق في جسم الإنسان
.. ولا أحتمل فكرة قتل جنين في بطن أمّه ، لأنّني أؤمن بأنّ الإنسان عزيز في عين الله . وأنّ من يهب الحياة هو وحده من يسترجعها ..!! و نحن الأطبّاء مهمّتنا المحافظة على هذه الوديعة الثّمينة والدّفاع عنها .
بدأ النّقاش يحتدم بيننا ، فبيّنتُ لها أنّنا لا ننتقي أولادنا كأيّ سلعة نشتريها ، وما نحن إلاّ مستقبلين وبٱمتنان لعطيّة الله .
فإن كانت الأمّ ستقتل إبنها فمن يمنعنا من قتل بعضنا البعض ؟؟
تفهّمتُ مخاوفها من ولادة طفل معاق ، وهنا كان يجب أن نتطرّق لدور المعاقين وما يعلّموننا إيّاه ، إذ نهتمّ بهم ونرعاهم ، ومدى الحبّ الذي نشعر به بالعيش معهم . وتكلّمنا عن حقّهم في العيش بكرامة وقبول .
وإذ شعرت بأنّ كلامي لا يجد صدى في نفسها ، وأنّها لا تطلب سوى تبريرا لقرارها بقتل جنينها .
طلبت من الله أن يتكلّم بلساني ، ويقنع هذه السّيدة عن العدول عن هذا القتل المتعمّد مع سبق الإصرار والتّرصد .
وطال الحديث بيننا ، حتّى أنهيته بقول الأم '' تريزا '' : يا للأسف أن يكون على جنينكِ الموت ، لكي تعيشي أنتِ كما يحلو لك !! . وأظنّني لم أتكلّم هكذا مع أحد في حياتي .
غادرت السّيدة حابسةً دموعها ، فرافقتها لخارج العيادة وطلبت منها أن تتّصل بي مهما كان قرارها ، لأنّها بحاجة لمن يكون معها في ضعفها وحتّى في خياراتها الخاطئة ، فالله يبارك خياراتنا مهما كانت ، وتكثر نعمته حيث تكبر خطيئتنا .
وهكذا كان ..
عادت السّيدة بعد عدّة أيّام ، وهي عازمة على أن تحتفظ بالجنين ، طالبة منّي أن أرافقها في حملها لأشدّد من عزمها وأذكّرها بأنّها هكذا يجب أن تحبّ الأمّ طفلها .
وقد رفضت كلّ الإختبارات التي نجريها لكشف التّشوهات ، لأنّها حسب رأيها سوف لن تغيّر من قرارها بالإحتفاظ بالهديّة
.. (كما أسمتها) .
راقبت حملها شهرياًّ ، وكنّا نتحدّث ونشكر الله على كلّ ما سيحدث طالما هو من يسمح به .
وعند ساعة الولادة ، كانت هادئة مستسلمة وفي عينيها بريق لم أشهده أبداً ، وهكذا تمّت ولادتها لطفلة جميلة وسليمة
.. نعم سليمة !! لم تصرخ ولم تبكي ، إنّما كانت تنطر إلى السّماء من حيث أتت بها العناية الإلاهيّة .. !!
لنفكّر !! ..
هل نحترم حياة الإنسان ؟؟
هل نؤمن بأنّ ما يحدث في حياتنا هو لخيرنا ؟؟
هل نسمح لله أن يعلّمنا ؟؟

السبت مخروم

كان يوم في راجل عادي بيصلي عادي راح لراهب ساله قالوا ياابويا ايه هيا منفعه الصلاه بالاجبيه انا مش بحس بيها خالص راح ابونا قالو هات السبت المغروز في الارض المترب هناك ده يابني راح الراجل جابو قالو روح املاه ميه من المنطقه الفلانيه قالو يابويا بس السبت مخروم والميه هتفضي منه قالوا هتها يمكن تحصل معجزه قالوا امرك يا ابويا راح ملاها وجه ابونا قالوا في الميه قالوا فضيت يا ابونا قالوا لا روح املاه تاني راح الراجل وجه قالوا فين الميه قالوا يابونا منا قولتلك ان السبت مخروم قالوا لا روح املاه تاني واتكررت تلت مرات تاني وجه الراجل ابونا قالو روح املاها تاني قالو لا يا ابونا انا مش شايف ان في فايده من اني املا سبت ومخروم قالو طيب دلوقتي السبت شكلو احسن ولا لما كان مغروز في التراب قالو دلوفتي يا ابونا قالوا ونتا كدا لو ماصلتش هتترب لكن لو صليت هتكون احلا بالتتدرج ارجوك يارب ادينا ان احنا يبقا عندنا طاعه الراجل ده وحكمه الشيخ ده و حب الصلاه

يارب لان الصلاه جسر بيربطنا بيك لو اتقطع مش هنوصل ليك ابدا يارب وادينا ان احنا نفهم ان الصلاه بالاجبه يارب بيزود محبتك في قلوبنا وبالتالي نكون في تتدرج روحي حتي لو هنغصب نفسنا في الاول بس يارب امين.

الأحد، 20 ديسمبر 2015

من يرث الملكوت


مات أحد الأثرياء ولم يترك وصيته لمن تكون ممتلكاته وأمواله، فأقامت الحكومة مزاداً لتباع التحف والأثاثات القيمة التي تركها الرجل.
ودخل المشترون وبينهم امرأة بسيطة أعجبها في كل القصر العظيم صورة معلقة لشاب في مقتبل العمر، فأخذت المرأة هذه الصورة وطلبت من المشرفين على المزاد شراءها، فقالوا لها إنها ليست مدونة في كشف المزاد ولا قيمة لها ادفعي أي شئ ، فدفعت خمسة جنيهات، وعندما أخذت الصورة جلست تقبلها وتحتضنها ولكنها وجدت شيئاً بارزاً خلف الصورة فقطعت الكرتونة لمعرفة لماذا هي بارزة؟
فوجدت ورقة مكتوباً عليها وصية من الثري تقول: هذه وصيتي: الذي يحب ابني ويأخذ هذه الصورة يرث كل أموالي وممتلكاتي".
فلما عرضت الوصية على المشرفين على المزاد، قالوا لها: إذن فالقصر ومحتوياته والأموال ملك لكِ.
وهذه السيدة كانت المربية لهذا الشاب وأحبته من كل قلبها ولما مات حزنت عليه كثيراً، واستحقت هذا الميراث الكبير.
وهكذا الآب السماوي يعطي الحياة الأبدية لمن يحب ابنه الحبيب يسوع المسيح الذي مات لأجلنا

الجمعة، 18 ديسمبر 2015

( أجرة الخير ) حدثت بالفعل

روت ام جون وقالت .......
انتقلنا إلي مسكن جديد وذهب أبني إلي مدرسة جديدة كما صرنا أعضاء في كنيسة أخري قريبة من البيت الجديد ..
.. تقابل أبني مع جون وهو طفل من الكنيسة في مثل عمره ذو العشرة السنوات
وصار الاثنان لا يفترقان إلا لساعات النوم لأنهما كانا يذهبان إلي نفس المدرسة
كنت أراهما وهما يلعبان ويذاكران معا وابني يبتسم ويضحك بحركته المعروفة إذ كان يلتفت برأسه إلي ناحية الشمال حتى يسمع جيدا بأذنه اليمني .
.. لقد كان أصما في أذنه اليسرى منذ ولادته.
مرت الأيام حتى قرب عيد ميلاد صديقه جون وقال لي أبني : أود أن أقدم هدية لجون في عيد ميلاده....
فقلت له : لكن أنت تعلم أن والدة جون ربما ترفض الهدية لأنها لن تقدر علي ردها كنت أعلم ظروفهم المادية,
قال لي : لذا سأترك الهدية علي الباب وارن الجرس ثم انزل بسرعة
وهكذا لن يعلموا من احضرها ولن يشعروا بالحرج لأنهم غير قادرين علي ردها
فرحت بروح ابني الكريمة ووافقته علي خطته التي سينفذها
لف ابني الهدية التي كان يعلم أن صديقه يتمناها بشدة
وهي عبارة عن مقلمة أنيقة بها كل الأدوات الهندسية التي يحتاجها التلاميذ في سنهم,
وفي ليلة عيد ميلاده خرج ابني ليقوم بمهمة المحبة الخفية وعندما عاد بعد ربع ساعة وما أن فتحت له الباب حتى انهار باكيا !!!!
مالك يا حبيبي ما الذي حدث أرجوك تكلم حتى أطمئن
لا شئ يا ماما لا شئ خطير لقد ذهبت إلي العمارة التي يسكنها جون ووجدت نور السلم مطفئ فلم أشاء أن أوقده حتى لا أنكشف,
وعندما وصلت إلي الشقة وضعت الهدية علي الأرض ومددت يدي لأقرع الجرس ونسيت في غمرة حماسي أن الجرس عندهم غير موجود بل بعض الأسلاك المغطاة ويبدو إنها غير مغطاة جيدا لأنه ما أن مددت يدي حيث سرت في جسمي شحنة كهربائية طرحتني أرضا ،
قمت جاهدا وجسمي كله ينتفض ثم دققت بيدي علي الباب ونزلت السلم جريا,
أخذت ابني في حضني ونظرت إلي طرف أصبعه فوجدته محروقا وضعت عليه بعض المراهم وأنا أقول في نفسي
: لماذا يارب يحدث لقد أراد أبني تنفيذ وصيتك وهذا ما حدث له لماذا يارب ؟؟!!!
في اليوم التالي ناديت على ابني وقلت له هيا بنا إلي الكنيسة فلا شئ يجب أن يفسد علينا فرحتنا وسلامنا مع الرب يسوع كانت خدمه رائعة أنا انظر الي ابني وهو في اشد الفرحة وتعزينا كثيرا وتقابل ابني مع جون الذي حكي له عن الهدية الجميلة التي وجدها علي الباب وابني لا يتكلم بل ينظر إليه بابتسامة وعيناه تلمعان,
وبعد عدة أيام من الحادثة لاحظت أن ابني لم يعد يلتفت برأسه ليسمع جيدا وسألته كيف تشعر لآني لم أجدك تلفت راسك أما هو فقال : أني أشعر أنني أسمع جيدا بالاثنين إذن ينبغي علينا أن نعيد كشف السمع وعند الطبيب تأكد لنا أن ابني فعلا يسمع جيدا بأذنه اليسري,
فسألنا الطبيب عما حدث فقلت له أن ابني تعرض لصدمة كهربائية فهل يمكن أن يكون هذا هو السبب ؟؟؟
فقال الطبيب : نعم تستطيع الشحنة الكهربائية فى تنشيط خلايا بها خلل أو عجز جزئى ولكن ليست خلايا بها تلف كلى إنها معجزة بكل المقاييس..
أدركت وقتها أن الله كافئ ابني علي محبته ولكن بطريقة لم نفهمها في وقتها.
........
ونحن نعلم ان كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الرب

السبت، 12 ديسمبر 2015

لم اسمع شيئاً


عند باب مبنى أسقفية الفيوم القديم سأل الأب الكاهن عن أبيه الأسقف نيافة الأنبا أبرآم، فقيل له أنه جالس على الأريكة (الدكة) كعادته فدخل إليه.

إذ رآه الأب الأسقف همّ عليه مسرعًا في بشاشة ليحتضنه ويقبّله، ثم سأله عن أخباره، فتنهد الأب الكاهن بمرارة وهو يقول:

- لم أنم الليل كله يا أبي الأسقف.

- لماذا؟

- بسبب زميلي الكاهن.

هنا صمت الأب الأسقف دون أن تظهر على وجهه أية ملامح، لكن الكاهن استرسل في الحديث عن زميله الكاهن. وإذ طال الحديث جدًا والكاهن يشكو زميله استدعى الأنبا أبرآم أحد العاملين في الأسقفية يدعى رزق، وسأله أن يهيئ له فنجان قهوة.

شرب الكاهن الفنجان واسترسل أيضًا في الحديث، وإذ أطال عاد نيافته فطلب للكاهن فنجانًا آخر.

عاد الأب الكاهن يتحدث في مرارة، والأسقف لا ينطق ببنت شفة ولا ظهرت أيّة علامة تعبر عن شيء كانعكاس لما يسمعه. وأخيرًا ختم الكاهن حديثة هكذا: "لقد أطلت الحديث عليك يا أبي الأسقف لكنك لم تجبني بكلمة ولا أرشدتني ماذا أفعل". عندئذ تطلع إليه الأب الأسقف وهو يقول: "سأطلب لك فنجان قهوة يزن عقلك... صدقني إني لم أسمع شيئًا من كل ما قلته".

خجل الكاهن جدًا من نفسه واعتذر عما صدر منه من شكوى ضد الكاهن زميله، طالبًا منه أن يصلي من أجله حتى يقدر أن يضبط لسانه بل وفكره فلا يدين أحدًا، انحنى برأسه يعتذر عما قاله، سائلًا الأب الأسقف أن يصلي من أجله لكي يعطيه الرب حلًا عن خطاياه.

خرج الأب الكاهن من حضرة أبيه الأسقف ليجد أمامه زميله الكاهن فاحتضنه وقبَّله ناسيًا كل ما صدر منه.

عاد الكاهن إلى الأب الأسقف وأسرع بعد فترة ليست بطويلة فسأله الأسقف عن حال زميله، فأجاب الكاهن أن كل الأمور تسير بخير وأنه يشعر بأن زميله الذي كان قبلًا يراه كمُضايق له قد صار لطيفًا معه للغاية، بل ويشعر أنه غير مستحق لزمالته ونوال بركته، وكان الكاهن يمتدح زميله جدًا، ففرح به الأسقف، وتطلع إليه ببشاشة وهو يقول له: "أسرع إلى الكنيسة واشترك في صلاة القداس الإلهي".

خرج الأب الكاهن من حضرة أبيه الأسقف وأسرع إلى الكنيسة حيث اشترك مع الآباء الحاضرين في القداس، وكان متهللًا جدًا، يشعر بلذة روحية فائقة، وكانت نفسه كأنها منطلقة في السموات عينها.

انتهى القداس الإلهي بسرعة عجيبة، وانطلق الكاهن يحمل "قربانة حمل" نحو الباب الخارجي، ففوجئ به مغلقًا. أخذ الكاهن يقرع باب الكنيسة حتى فتح له الفراش وهو مندهش.

- كيف دخلت يا أبي الكنيسة؟

- كان الباب مفتوحًا.

- أنا لم أفتحه بعد.

- كيف هذا؟ فإنني اشتركت مع بعض الآباء في خدمة القداس الإلهي.

- أي قداس؟

- القداس الإلهي.

- لم يُقم اليوم قداس إلهي.

- أقول لك أنني اشتركت في الصلاة بنفسي، وها هي "قربانة الحمل".

عندئذ أدرك الأب أنه إنما كان يصلي القداس الإلهي مشتركًا مع جماعة من الآباء السواح مكافأة له عن تركه إدانة أخيه الكاهن واتساع قلبه بالحب .

ليصمت لساني عن الإدانة، فيرفع قلبي وفكري إلى سمواتك،

* ليتني لا انشغل بضعفات الآخرين،فأتمتع بشركة السمائيين!

* هب لي ألا أدين أحدًا، فأهرب من الدينونة الأبدية!