الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

قصّة حقيقيّة ـ الحياة هبة من الله


ـــــــــــــــــ
زارت عيادتي سيّدة حامل بالشّهر الثّاني ، وكانت مصابة '' بجدري الماء '' (Chicken pox ) .. وقد أجمع الأطبّاء على إسقاط الجنين ، لأنّ التّشوهات النّاجمة عن المرض شديدة وغير قابلة للإصلاح ، وقد كانت زيارتها لي كآخر طبيب تستشيره قبل عمليّة الإجهاض .
دار حديث بيننا ، عن أنّ كلّ طفل هو هديّة من الله . فهل نرفضه حتّى لو كان مخالف لتوقّعاتنا ؟
حيث أن الله يتمجّد في خليقته وكلٌّ منّا له دوره في بناء العالم مهما صغر شأنه .
لقد شعرتُ بمسؤليّة تجاه حياة هذا الجنين ، كوني أشاهد أوّل نسمة حياة تتدفّق في جسم الإنسان
.. ولا أحتمل فكرة قتل جنين في بطن أمّه ، لأنّني أؤمن بأنّ الإنسان عزيز في عين الله . وأنّ من يهب الحياة هو وحده من يسترجعها ..!! و نحن الأطبّاء مهمّتنا المحافظة على هذه الوديعة الثّمينة والدّفاع عنها .
بدأ النّقاش يحتدم بيننا ، فبيّنتُ لها أنّنا لا ننتقي أولادنا كأيّ سلعة نشتريها ، وما نحن إلاّ مستقبلين وبٱمتنان لعطيّة الله .
فإن كانت الأمّ ستقتل إبنها فمن يمنعنا من قتل بعضنا البعض ؟؟
تفهّمتُ مخاوفها من ولادة طفل معاق ، وهنا كان يجب أن نتطرّق لدور المعاقين وما يعلّموننا إيّاه ، إذ نهتمّ بهم ونرعاهم ، ومدى الحبّ الذي نشعر به بالعيش معهم . وتكلّمنا عن حقّهم في العيش بكرامة وقبول .
وإذ شعرت بأنّ كلامي لا يجد صدى في نفسها ، وأنّها لا تطلب سوى تبريرا لقرارها بقتل جنينها .
طلبت من الله أن يتكلّم بلساني ، ويقنع هذه السّيدة عن العدول عن هذا القتل المتعمّد مع سبق الإصرار والتّرصد .
وطال الحديث بيننا ، حتّى أنهيته بقول الأم '' تريزا '' : يا للأسف أن يكون على جنينكِ الموت ، لكي تعيشي أنتِ كما يحلو لك !! . وأظنّني لم أتكلّم هكذا مع أحد في حياتي .
غادرت السّيدة حابسةً دموعها ، فرافقتها لخارج العيادة وطلبت منها أن تتّصل بي مهما كان قرارها ، لأنّها بحاجة لمن يكون معها في ضعفها وحتّى في خياراتها الخاطئة ، فالله يبارك خياراتنا مهما كانت ، وتكثر نعمته حيث تكبر خطيئتنا .
وهكذا كان ..
عادت السّيدة بعد عدّة أيّام ، وهي عازمة على أن تحتفظ بالجنين ، طالبة منّي أن أرافقها في حملها لأشدّد من عزمها وأذكّرها بأنّها هكذا يجب أن تحبّ الأمّ طفلها .
وقد رفضت كلّ الإختبارات التي نجريها لكشف التّشوهات ، لأنّها حسب رأيها سوف لن تغيّر من قرارها بالإحتفاظ بالهديّة
.. (كما أسمتها) .
راقبت حملها شهرياًّ ، وكنّا نتحدّث ونشكر الله على كلّ ما سيحدث طالما هو من يسمح به .
وعند ساعة الولادة ، كانت هادئة مستسلمة وفي عينيها بريق لم أشهده أبداً ، وهكذا تمّت ولادتها لطفلة جميلة وسليمة
.. نعم سليمة !! لم تصرخ ولم تبكي ، إنّما كانت تنطر إلى السّماء من حيث أتت بها العناية الإلاهيّة .. !!
لنفكّر !! ..
هل نحترم حياة الإنسان ؟؟
هل نؤمن بأنّ ما يحدث في حياتنا هو لخيرنا ؟؟
هل نسمح لله أن يعلّمنا ؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق