التفاؤل والرجاء ++ البابا شنودة الثالث
+++++++++++++++++++
إن التفاؤل يأتي من الإيمان بعمل الله من أجلنا، ومن الرجاء بأنه لابد سيعمل عملًا. بالتفاؤل يرى الإنسان أن الليل مهما بلغ ظلامه، لابد سيأتي بعده الفجر المنير. وأن برد الشتاء يعقبه دفء الربيع، وهكذا يتأمل الشخص في النقاط البيضاء في كل ما حوله. وبالإيمان يرى الخير في كل شيء. لا ينظر إلى الظلمة الحالية، بل إلى النور الذي سيأتي. لا ينظر إلى ما يراه الآن، وإنما ما أعده الله له فيما بعد.
وقد كنت أقول للذين في ضيقة: تذكروا ثلاث عبارات هي "ربنا موجود. كله للخير. مصيرها تنتهي". فلا توجد ضيقة تستمر. فمهما طال زمانها لابد أنها ستنتهي. إنما تأخذ شكلًا هرميًا. فترتفع حتى تصل إلى قمتها. ثم تنحدر إلى أسفل وتنتهي على خير. وحقًا كله للخير، لأن ربنا موجود. فبالرجاء يتأكد الشخص أن الله لابد سيتدخل. وحينئذ سوف تزول كل المشاكل وينصلح الأمر. إن نظرة الخوف والشك تجلب اليأس. أما نظرة التفاؤل والإيمان، فإنها تؤكد أن الله لابد سيعمل عملًا، ولو في الساعة الرابعة والعشرين.
والإيمان يقول: ليس ما نراه نحن، إنما ما يراه الله لأجلنا. وليس ما نعمله نحن، إنما ما يعمله الله من أجلنا. وعمل الله في القديم، يعطينا الثقة والرجاء بعمله في المستقبل. إن عمل الله قادر أن يغير القلوب وأن يبنيها من جديد.
كثيرون جدًا تصغُر نفوسهم أمام المشاكل التي تبدو معقده وبلا حل، فتزيد حروب الشيطان من متاعبه. ويحتاجون إلى كلمة تعيد إليهم الرجاء. يحتاجون إلى نافذة من نور تبدد الظلمة التي تكتنف نفوسهم، والرجاء إذن هو شيء هام في الحياة. ولو فقد الإنسان الرجاء، فقد كل شيء. بل قد يقع في اليأس، ويقع في الكآبة، وتنهار معنوياته، ويقع في القلق والاضطراب ومرارة الانتظار بلا هدف. وقد يقع ألعوبة في يد الشيطان الذي يقال عنه إنه يقطع الرجاء. أما الإنسان الروحي فمهما تعقدت الأمور أمامه، ومهما بدى أن الله قد تأخر في إرسال المعونة، فإنه لا يفقد رجاءه أبدًا. إنه يؤمن بأن غير المستطاع عند الناس، هو مستطاع عند الله. وأن كل أمر مهما بدى مستعصيًا وصعبًا ومعقدًا، فهناك رجاء يقدمه الله.
إن الإنسان الروحي لا يرى أن الله سيعمل في المستقبل، فهذا إيمان ضعيف، وإنما هو يؤمن أن الله يعمل حاليًا، وإن كان لا يرى عمله. لكنه واثق تمامًا أن الله يعمل. ويكون له رجاء بنتيجة عمله التي سيراها فيما بعد. إنه لا ينظر إلى الضيفات، إنما ينظر إلى الله الذي يبعد عنه الضيقات. لذلك فإن الرجاء يصاحبه في كل حين، وفي كل حال. ولا يفارقه أبدًا. إنه رجاء في محبة الله، وفي مواعيده الصادقة. ورجاء في قوة الله القادر على كل شيء. رجاء في أن الله الذي عمل في القديم، والذي يعمل كل حين، هو قادر أن ينجيه من كل ضيقة. وهذا الرجاء في معونة الله، يعطي الإنسان سلامًا في القلب، وطمأنينة في الداخل، وفرحًا لعمل الله.
والذي يعيش في الرجاء، ينظر دائمًا بابًا مفتوحًا في السماء، مهما كانت أبواب الأرض مغلقة. فالله حينما يفتح لا يستطيع أحد أن يغلق. والإنسان المؤمن يعرف تمامًا أن الله يحبنا أكثر مما نحب أنفسنا. ويعرف الخير لنا أكثر مما نعرف الخير لأنفسنا. ويوقن أن الله يدبر أمور الكون كلها حسب حكمته غير المحدودة. ويقول في ضميره إن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله. ونقصد الخير بالمقاييس الإلهية، وليس الخير بمفاهيمنا البشرية. ويقول أحيانًا إذا ضاقت به الأمور: إن المر الذي يختاره الرب لي، خير من الشهد الذي أختاره لنفسي.
والمؤمن يرى في حياة الرجاء أن كل مشكلة لها عند الله حل أو عشرات الحلول. وأن كل الأمور التي تمر بنا في حياتنا: إن كانت خيرًا فسوف تصل إلينا بكل بركة. وإن كانت شرًا، فإن الله صانع الخيرات سيحول الشر الذي فيها إلى خير. والمؤمن يثق أيضًا أن حياته هي في يد الله وحده، وليست في أيدي الناس، ولا في أيدي التجارب والأحداث، ولا في أيدي الشياطين. وما دامت حياته في يد الله، فإن الله سوف يحفظه في سلام، ويحرسه في الليل والنهار، ويحفظ دخوله وخروجه.
لذلك إن كانت لديك مشكلة، فانتظر الله لكي يريحك وينقذك منها. ولكن لا تنتظر الرب وأنت متضايق وخائف ومتذمر وفي ضجر. وتقول في داخل نفسك: لماذا لم يعمل الرب حتى الآن؟ وأين محبته ورعايته وأين عمله؟! نعم لا تنتظر عمل الرب وأنت في شك من المستقبل، وفي شك من قيمة الصلاة وفاعليتها!! إن كل تلك المشاعر ضد فضيلة الرجاء. فالإنسان المضطرب أو اليائس أو المنهار، إنما يدل على أنه فاقد الرجاء. أما منتظرو الرب فأنهم ينتظرونه في قوة غير خائفين. وإنما يثقون بمواعيد الله السابقة وبصفاته الإلهية المحبوبة، باعتباره الراعي والحافظ والساتر والمعين. وأنه رجاء من ليس له رجاء ومعين من ليس له معين. وأنه يعطينا باستمرار دون أن نطلب وقبل أن نطلب. فكم بالحري إذا طلبنا.
واعرف تمامًا أن الله إذا سمح لك بضيقة، فإنما يكون ذلك لمنفعتك. والضيقات هي دائمًا مدرسة الصلاة. ربما حياة التنعم تبعدنا عن الله. أما الألم فأنه يقربنا إليه. فتصير صلواتنا أعمق وأكثر. وتصير أصوامنا أكثر روحانية. إن الضيقات التي احتملها داود النبي، صارت نبعًا لمزاميره، يغنيها على العود والقيثار والمزمار. وصارت ينبوعًا لتأملات روحية وصلوات عميقة تصليها الأجيال من بعده. بل الضيقات أعطته قوة في شخصيته.
ومن جهة الأمراض. فعلى الرغم من أن المرض آفة يحاربها الناس، ويهربون منها إلى الطب والدواء، فإن أمراضًا كثيرة قادت إلى التوبة، وفعلت ما لم تفعله أعمق العظات، وبخاصة الأمراض الخطيرة والمؤلمة. فكم قد أدخلت كثيرين في عهود مع الله، وفي نذور قدموها إليه، وفي حياة جديدة معه، أو في توبة واستعداد للموت. حقًا إن كل الأمور تعمل معًا للخير. لذلك عش سعيدًا مهما حدث لك. وقل في ثقة "كله للخير".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق