قداسة البابا متاؤس الثالث البابا المائة *
رهبنته بدير القديس مقاريوس:
كان أبواه مسيحيين من ناحية طوخ النصارى بإقليم المنوفية، خائفين الرب محبين للغرباء محسنين للفقراء والمحتاجين. رزقهم الله بالابن تادرس، فأحسنا تربيته وأدباه بكل أدب روحاني وعلماه كتب البيعة المقدسة في كُتّاب قريته "طوخ النصارى". وكانت نعمة الله حالة عليه، فانكبَّ على الدرس والتعليم المسيحي إلى أن حركته نعمة الله إلى السيرة الملائكية والحياة النسكية، فمضى إلى برية شيهيت وترهَّب بكنيسة القديس العظيم أبي مقار. جاهد في النسك والعبادة جهادًا بليغًا فسيم قسيسًا. تزايد في التقشف ونما في الفضيلة فسيم قمصًا ورئيسًا على الدير المذكور.
بابا الإسكندرية:
بعد قليل تنيح البابا يوأنس الخامس عشر البطريرك التاسع والتسعون، فاجتمع الأباء الأساقفة وجماعة الكهنة والأراخنة لاختيار من يصلح لاعتلاء الكرسي المرقسي، فهداهم رب الكنيسة إلى "القمص تادرس المقاري" الممتلئ محبة وصلاحا وعلما ومعرفة. تمت سيامته يوم الأحد 8 سبتمبر 1631 م. باسم "البابا متاؤس الثالث"، وكانت رسامته في أيام الأمير حسن قائمقام الوالي موسى باشا المخلوع.
انتعشت الكنيسة في حبرية البابا متاؤس بالصلاة والصوم فامتلأت ربوع البلاد سلامًا، وانطلق الشعب القبطي للتسبيح وسط رجل الله الذي جاب البلاد طولا وعرضًا. ولكن أوعزوا للوالي بضرورة أن يدفع البابا رسمًا معينًا سنويًا، وتشدد الوالي في طلبه من الأراخنة الذين اجتمعوا به، ولأن الله لا يترك نفسه بلا شاهد، وكما قال الكتاب "إن أرضت الرب طرق إنسان يجعل أعداؤه يسالمونه"، اندفع أحد اليهود بغيرة شديدة ودفع المبلغ المفروض عل البابا فورًا على أن يحصل عليه فيما بعد، وانقشعت الغمة.
بركة التسبيح والصلوات:
كانت الضيقة المالية التي عانت منها البطريركية إبان خدمته الدافع وراء التقاء البابا برعيته ورجوعه من رحلاته في صعيد مصر ممتلئ غبطة ومسرة، وانطلقت الألسن والعقول إلى عنان السماء بالتسبيح لرب الكنيسة، فظهرت صلوات التسبحة المقدسة قبطيًا وعربيًا مكتوبة بالألوان، ولأول مرة يصدر مخطوط عن تاريخ زيت الميرون وتقديسه، واستجابت السماء للصلاة والطلبة وزاد نهر النيل وعم الرخاء وانتعشت البلاد ورخصت الأسعار.
عاد النيل للانحسار وقلّت الأرزاق، ورفعت الكنيسة الصلوات كل يوم حتى انفرجت الأزمة، وفرحت الأرض وزادت المحصولات واصلحت الأحوال.
ليس غريبًا أن يصدر الوالي التركي أمرًا بهدم كنيسة كبرى في المحلة الكبرى استعظم على القبط اقتناؤها، ولما أراد أن يدارى سوء فعله بنى مدرسة مكانها.
مطران للأثيوبيين:
أما عن أثيوبيا، فلما عاودت الكنيسة الرومانية إخضاعها لسلطانها رفض الملك فاسيلاوس وطرد الرهبان الروم، وأرسل للبابا السكندري ليرسم مطرانًا للكنيسة فرسم لهم البطريرك القبطي "أنبا مرقس" مطرانًا للأثيوبيين الذي لاقى اضطهادات كثيرة رغم مساندة الملك.
نياحته:
في زيارته الرعوية إلى الوجه البحري زار برما وطنطا ثم اتجه إلى موطنه الأصلي طوخ النصارى الذي قابله شعبها بحفاوة بالغة، وطلبوا إليه أن يمكث وسطهم، فظل بينهم ما يقرب من العام. وفي سبت لعازر سنة 1646 م.، بعد أن انتهى من القداس الإلهي وبارك الشعب وصرفه دخل إلى حجرته ونام نومته الأخيرة ووجهه مشرقًا، مسلمًا روحه الهادئة في يد خالقها، راقدا في شيخوخة صالحة ودفن بكنيسة مارجرجس بطوخ دلكة (طوخ النصارى)، وكان ذلك في أيام السلطان إبراهيم الأول وكان والي مصر محمد باشا بن حيدر باشا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق